سورة البقرة - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{مَنْ كان عدوَّاً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنَّ الله عدو للكافرين} أَيْ: مَنْ كان عدوّاً لأحد هؤلاء، فإن اللَّهَ عدوٌّ له؛ لأن عدوَّ الواحدِ عدوُّ الجميع، وعدوُّ محمَّدٍ عدوُّ الله، والواو هاهنا بمعنى أو كقوله: {ومَن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله} الآية. لأنَّ الكافر بالواحد كافرٌ بالكلِّ، وقوله {فإنَّ الله عدوٌ للكافرين} أَيْ: إنَّه تولَّى تلك العداوة بنفسه، وكفى ملائكته ورسله أمر مَنْ عاداهم.
{ولقد أنزلنا إليك آيات بيّنات} دلالاتٍ واضحاتٍ، وهذا جوابٌ لابن صوريا حين قال: يا محمد، ما أُنزل عليك من آيةٍ بيِّنةٍ فَنَتَّبعكَ بها {وما يكفر بها إلاَّ الفاسقون} الخارجون عن أديانهم، واليهود خرجت بالكفر بمحمَّد صلى الله عليه وسلم عن شريعة موسى عليه السَّلام، ولمَّا ذكر محمدٌ صلى الله عليه وسلم لهم ما أخذ الله تعالى عليهم من العهد فيه قال مالك بن الصَّيف: والله ما عُهد إلينا في محمدٍ عهدٌ ولا ميثاق، فأنزل الله تعالى.
{أَوَكُلَّما عاهدوا عهداً} الآية، وقوله: {نبذة فريق منهم} يعني: الذين نقضوه من علمائهم {بل أكثرهم لا يؤمنون} لأنهم من بين ناقضٍ للعهد، وجاحدٍ لنبوَّته معاندٍ له، وقوله: {نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب} يعني: علماء اليهود {كتاب الله} يعني التَّوراة {وراء ظهورهم} أَيْ: تركوا العمل به حين كفروا بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم والقرآن {كأنهم لا يعلمون} أنَّه حقٌّ، وأنَّ ما أتى به صدقٌ، وهذا إخبارٌ عن عنادهم، ثمَّ أخبر أنَّهم رفضوا كتابة واتَّبعوا السِّحر فقال: {واتبعوا} يعني: علماء اليهود.


{ما تتلوا الشياطين} أَيْ: ما كانت الشَّياطين تُحدِّث وتقصُّ من السِّحر {على ملك سليمان} في عهده وزمان مُلْكه، وذلك أنَّ سليمان عليه السَّلام لما نُزع ملكه دفنت الشَّياطين في خزانته سحراً ونيرنجات، فلمَّأ مات سليمان دلَّت الشياطين عليها النَّاس حتى استخرجوها، وقالوا للنَّاس: إنَّما مَلَكَكُم سليمان بهذا فتعلَّموه، فأقبل بنو إسرائيل على تعلُّمها، ورفضوا كتب أنبيائهم، فبرَّأ الله سليمان عليه السَّلام فقال: {وما كفر سليمان} أَيْ: لم يكن كافراً ساحراً يسحر {ولكنَّ الشياطين كفروا} بالله {يعلمون الناس السحر} يريد: ما كتب لهم الشَّياطين من كُتب السِّحر {وما أنزل على الملكين} أَيْ: ويُعلِّمونهم ما أُنزل عليهما، أَيْ: ما عُلِّما وأُلْهِمَا، وقُذِف في قلوبهما من علم التَّفرقة، وهو رقيةٌ وليس بسحرٍ، وقوله: {وما يعلِّمان} يعني: المَلَكَيْن السِّحر {من أحدٍ} أحداً {حتى يقولا إنما نحن فتنة} ابتلاءٌ واختبارٌ {فلا تكفر} وذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ امتحن النَّاس بالملكين في ذلك الوقت، وجعل المحنة في الكفر والإيمان أن يقبل القابلُ تعلُّم السِّحر، فيكفر بتعلُّمه ويؤمن بتركه، ولله تعالى أن يمتحن عباده بما شاء، وهذا معنى قوله: {إنما نحن فتنة فلا تكفر} أَيْ: محنةٌ من الله نخبرك أنَّ عمل السِّحر كفرٌ بالله، وننهاك عنه، فإنْ أطعتنا نجوت وإن عصيتنا هلكت، وقوله تعالى {فيتعلمون} أَيْ: فيأتون فيتعلَّمون من الملكين {ما يفرّقون به بين المرء وزوجه} وهو أن يؤخذ كلُّ واحدٍ منهما عن صاحبه ويُبغَّض كلُّ واحدٍ منهما إلى الآخر {وما هم} أَيْ: السَّحَرة الذين يتعلَّمون السِّحر {بضارين به} بالسِّحر {من أحدٍ} أحداً {إلاَّ بإذن الله} بإرادته كون ذلك، أَيْ: لا يضرُّون بالسِّحر إلاَّ مَنْ أراد الله أن يلحقه ذلك الضَّرر {ويتعلمون ما يضرُّهم} في الآخرة {ولا ينفعهم} في الدُّنيا {ولقد علموا} يعني: اليهود {لمن اشتراه} من اختار السِّحر {ما له في الآخرة من خلاقٍ} من نصيب في الجنة، ثمَّ ذمَّ صنيعهم فقال: {ولبئس ما شروا به أنفسهم} أَيْ: بئس شيءٌ باعوا به حظَّ أنفسهم حيث اختاروا السِّحر ونبذوا كتاب الله {لو كانوا يعلمون} كُنه ما يصير إليه مَنْ يخسر الآخرة من العقاب.
{ولو أنَّهم آمنوا} بمحمَّدٍ عليه السَّلام والقرآن {واتقوا} اليهوديَّة والسِّحر، لأثيبوا ما هو خيرٌ لهم من الكسب بالسِّحر، وهو قوله تعالى: {لمثوبةٌ من عند الله خيرٌ لو كانوا يعلمون}.
{يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا} كان المسلمون يقولون للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: راعنا سمعك، وكان هذا بلسان اليهوديَّة سبَّاً قبيحاً، فلمَّا سمعوا هذه الكلمة يقولونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعجبتهم، فكانوا يأتونه ويقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فنهى الله تعالى المؤمنين عن ذلك، وأنزل هذه الآية، وأمرهم أن يقولوا بدل راعنا {انظرنا} أَيْ: انظر إلينا حتى نُفهمك ما نقول {واسمعوا} أيْ: أطيعوا واتركوا هذه الكلمة؛ لأنَّ الطَّاعة تجب بالسَّمع {ما يودُّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خيرٍ من ربكم} أَيْ: خيرٌ من عند ربكم.
{والله يختص برحمته} يخصُّ بنبوَّته {مَنْ يشاء والله ذو الفضل العظيم}.


{ما نَنْسَخْ من آية أو نُنْسِها} أَيْ: ما نرفع آيةً من جهة النَّسخ بأن نُبطل حكمها، أو بالإِنساءِ لها بأنْ نمحوها عن القلوب {نأت بخير منها} أَيْ: أصلح لمن تُعبِّد بها، وأنفع لهم وأسهل عليهم، وأكثر لأجرهم {أو مثلها} في المنفعة والمثوبة {ألم تعلم أنَّ الله على كلِّ شيءٍ} من النِّسخِ والتَّبديل وغيرهما {قدير}: نزلت هذه الآية حين قال المشركون: إنَّ محمداً يأمر أصحابه بأمرٍ، ثمَّ ينهاهم عنه، ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً. ما هذا القرآن إلاَّ كلام محمد، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقولَهُ: {وإذا بدَّلنا آية مكان آيةٍ...} الآية.
{ألم تعلم أنَّ الله له ملك السموات والأرض} يعمل فيهما ما يشاء، وهو أعلم بوجه الصَّلاح فيما يتعبَّدهم به من ناسخٍ ومنسوخٍ {ومالكم من دون الله من ولي} أَيْ: والٍ يلي أمركم ويقوم به {ولا نصير} ينصركم، وفي هذا تحذيرٌ من عذابه إذ لا مانع منه.
{أم تريدون} أَيْ: بل أتريدون {أن تسألوا رسولكم} محمداً صلى الله عليه وسلم {كما سئل موسى من قبل} وذلك أنَّ قريشاً قالوا: يا محمَّدُ، اجعل لنا الصَّفا ذهباً، ووسِّعْ لنا أرض مكَّة، فَنُهوا أن يقترحوا عليه الآيات كما اقترح قوم موسى عليه السَّلام حين قالوا: {أرنا الله جهرة} وذلك أنَّ السُّؤال بعد قيام البراهين كفرٌ، ولذلك قال: {ومن يتبدل الكفر بالإِيمان فقد ضلَّ سواء السبيل} قصده ووسطه.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12